حبيبتي والمخدرات | أ. يمينة بوعمامة
اشتقت اليوم أن أراها وأتجمل بكحل عينيها.. إنها بنت من بنات دار الأيتام بمدينة الجسور المعلقة، بلادي، قسنطينة..
سألت عنها "أين الجميلة؟" فجيء بها تمشي بخطوات ثقيلة كأنها تحمل على كتفيها جميع هموم الدنيا..
جلسنا على مقعد رخامي بوسط حديقة الميتم وعم الصمت الرهيب لفترة.. ثم قلت لها "ما بك حبيبتي ما الخبر؟" فكشفت على يديها، وإذ هي ممزقة الجلد وعلى خلفية الكلمة الشعبية "مشلّحة" والدم يسيل من يديها وكأنها في معركة..!
آه.. إنها في معركة مع الذات، فبدأت تسرد لي حكايتها وبدأت تصرخ قائلة لي:
لمن أعيش؟
كان لي حبيب فخان.. كان لي أب فغدر.. كانت لي أم فماتت.. فلمنأعيش؟
ثم طأطأت الرأس وشعرها الحريري كموج الليل، كالنسمات انسدل على كتفيها مما زادها جمالًا وبهاء.. وبدأت بالبكاء.. عرفت هنا أنها موجوعة، وموجوعة جدا..
فقلت لها: المخدرات؟ هل أنت مدمنة عليها؟ لماذا حبيبتي لماذا؟
لا.. لا.. لا.. توقفي فلا للمخدرات، فقد تنسيك مجالسنا وتنسيك حتى أنا! دوسيها بقدميك، حطميها، أحرقيها كما تحرق الجثث في بلاد الهند..
دعيني أتفقّد شرايينك لأوقف النزيف، فإن قلبي ينزف معك، لأنك قلبي وروحي يا أنت.
يا حبيبتي هيا معي واجمعي شتاتك ولا تلتفتي إلى الوراء، ولنبدأ حياة جديدة معا.
ياحلمي أنت.. وضممتها بقوة لصدري.. وأقسمت لي بأن تهجر آفة المخدرات للأبد، وأن تحبني للأبد..
حبيبتي جميلة وكلنا جميلات، فالذنب لنا جميعا والسقوط في الخطيئة لك وحدك حبيبتي، حبيبتي، حبيبتي.
لا وحدة بعد اليوم، هيا امتطي السيارة وإلى حياة أسعد بلا مخدرات.. كلها ابتسامة وضحكات، كلها سعادة.. فلنداوِ الجراح، وبعدها نصير أنا وأنت للخير شعارا، وللنجاح على الإدمان غاية يا حبيبتي.
~ الكاتبة أ. يمينة بوعمامة / 15 - 06 - 2022 ~
🖤 النص عن فتاة يتيمة مدمنة قابلتها الأستاذة يمينة في إحدى مهام عملها.. ليس كل مدمنٍ شريرا.. كثير من المدمنين وقعوا ضحية لمعطياتهم المؤلمة التي لم يجدوا معها أذنا صاغية تحتوي آهاتهم ولا عقلا بصيرا يوقظهم ويحميهم ولا يدا تشدّ عزيمتهم..
من هي أ. يمينة؟
الأستاذة يمينة بوعمامة، ابنة الشهيد، وابنة مدينة قسنطينة العريقة التي ولدت فيها عام 1960؛ إطار بقطاع العدالة بالمدينة، وكاتبة أديبة لها مداخلات أدبية عديدة في مناسبات مختلفة تمحور معظمها في الجوانب الإنسانية والاجتماعية كديار الرحمة، الطفولة المسعفة، إعادة التربية والتأهيل.. بالإضافة إلى التظاهرات الثقافية والأدبية.
جالستُها فوجدت فيها قلبا رقراقا يحب احتواء الجميع، يقدّر الكلمة والشعور ويحب تقديم كل شيء بلغة أدبية حانية فياضة بالمشاعر 🖤
وشوشة صغيرة: لها إلقاء ساحر ومؤثر يجعل المستمع ينساب مع النص ويعيش معانيه 😁
تعليقات
إرسال تعليق