القائمة الرئيسية

الصفحات

سورة إبراهيم | تدبر بدايات سورة إبراهيم

سورة إبراهيم | تدبر بدايات سورة إبراهيم

سورة إبراهيم | تدبر بدايات سورة إبراهيم

بينما أراجع سورة إبراهيم لأستظهرها على أستاذتي انتبهت إلى أن لها في البداية تسلسلا جميلا منطقيا ساعدني على تذكر الآيات:

    كتاب هدفه إخراجنا من ظلماتنا، ظلمات متشعبة مختلفة المسارات والأفعال، نشعر فيها بثقل الشتات وانفراط أنفسنا.. إلى نور واحد، نور واحد كفيل بأن يصلح كل تلك التجليات، نور واحد أشبه بجذع الشجرة الذي إن كان حيا تفرعت عنه أغصانه وأوراقها وثمارها كنتيجة حتمية.. نور واحد يغمر زوايانا سكينة وبصيرة ينير الطريق أمامنا فينقلب الشتات هدوءً وخطى ثابتة راسخة تعرف إلى أين تريد الوصول، نور هو صراط ربنا، يذكرني بذلك الرسم الذي رسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصحابة على الرمل، خط مستقيم هو الوجهة إلى الله يفضي بنا إلى الفلاح، تخرج منه خطوط مشتتة هي السبل الخاطئة التي إن سلكناها انزلقنا..
 

تلك الآية انتهت بقوله تعالى ((إلى صراط العزيز الحميد))، كنت أتساءل، لماذا اختار الله تعالى من أسمائه اسمَي العزيز والحميد بالذات؟ لا أعرف، الرابط بينهما وبين سورة ابراهيم، ابراهيم بالذات، لا اعرفه.. يثير الفضول..! لكن الآية التي بعدها مرتبطة جدا بهذين الاسمين، ربنا عزيز وذلك من تجليان القوة، وامتلاكه السماوات والارض من تجليات القوة.. الارض التي نعيش فوقها، نأكل من خيرها ونجتهد في سبلها، عليها معاشنا وديارنا وحياتنا، وسماء فيها رزقنا وفي التأمل فيها راحتنا واستشعار للوسع في حياتنا وفي نجومها المجتمعة في أشكال مميزة اهتداؤنا للاتجاهات؛ دب أصغر ودب أكبر ونجوم في شكل حرف w كنت أتأملها باستمرار على سطح بيت جدي -رحمه الله- وأربطها بالشمال الذي يذكرني بالبحر.. كل ذاك الخير والجمال ملك لله تعالى سخره لنا! تلك نعم تستوجب الحمد، هو الحميد، نعمه تستوجب الحمد.. ثم هنالك من يكفر.. رغم كل ذاك يكفر..! توعدهم الله بعذاب شديد وذكر بعض صفاتهم؛ يفضلون الدنيا على الآخرة.. مهلا، هم بذلك يتشتتون بين تلك السبل عن اليمين والشمال! ولا يكتفون بأذى أنفسهم بل يقفون عائقا في السبيل المستقيم ويريدون تحريف مسارات الغير أيضا! لو كانوا على وعي بمصلحتهم وعلى حكمة لعلموا أنهم في ضلال، ضلال عن سبيل راحتهم واجتماع أركان أنفسهم وبلوغهم الأهداف العالية والنجاحات المبهرة! مخطئون حين اختاروا تلك السبل المنحرفة التي صرفتهم عن الوجهة الصحيحة التي تصلح حياتهم، وجهة الآخرة التي ابتعدوا عنها.. ضلال بعيد.. مساكين..
 

 تدرين ياسمين؟ فعلا لا تتوقف موجبات الحمد عند تلك النعم العظيمة العديدة المجتمعة بين أركان السماوات والأرض، رأيتِ أن الله تعالى رغم حماقات الإنسان وجحود نعمه لم يتركه لضلاله بل أرسل إليه رسلا ليفتحوا عينيه، ليُروه الطريق الصحيح، ليبصر ويستوعب خطأه في حق نفسه وحق ربه فيعود، ولا تتوقف رحمته تعالى عند هذا، إنه يقدم للإنسان كل التسهيلات ليبصر، كل رسول يرسله بلغة القوم الذين أُرسِل إليهم ليفهموا ويستوعبوا، "ليُبيِّن لهم"!
 

أشعر بأن خطاب القرآن الكريم قمة في التوازن، يعلم ما يمكن أن يتبادر إلى العقل فتأتي الكلمات مسترسلة بما يحافظ على سيره في الاتجاه الحقيقي كأنها قائد يمسكه من يده ويوجهه! لوهلة قد نظن بأن الجميع يهتدون بعد كل ذاك لكن الحياة ليست مثالية! ليست وردية! هنالك من يصر، ولا يزال يصر ويعاند ويكابر إلى أن يستحق الضلال! أحيانا لا نصدق بأن بعض البشر يقومون بأفعال معينة، لا نستطيع استيعاب وتقبل ذلك، لكن القرآن الكريم يربت على أكتافنا ويخاطبنا بواقعية، هنالك من البشر من يفعل ذلك فعلا، لهذا ((فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم)) التحكم في مقاليد الهدى والضلال من صفات القوة.. العزيز هنا مجددا ❤ وتحديد من يستحق الهداية ومن يستحق الضلال يستوجب وجود الحكمة فهو الحكيم ❤
 

مممم لا أعرف لماذا أتت الآن قصة موسى بالذات، ألِأنّ في فصولها أحداثا تناسب المغزى من السورة؟ لِنَرَ؛ طُلِب من موسى عليه السلام أن يخرج قومه من الظلمات إلى النور (الظلمات والنور مجددا!)، والجميل الذي يلفتني دائما هو تلك العبارة ((وذكِّرهم بأيام الله))! يا سلام ما أجملها وقد أتت بعد آية شديدة كأنها توازننا مجددا! كم كانت لنا أيام جميلة عشناها قريبين من الله! استشعرنا فيها نفحاته، اجتهدنا في طاعته، تلذذنا بحلاوة الإيمان، قد ننهمك في الحياة وننسى ذلك مع الوقت، بعض الذكريات رائعة خاصة ذكرياتنا مع الله ❤ ربنا يريدنا أن نتذكرها كمتحابيْن وقع بينهما خصام وبادر أحدهما بالصلح مذكرا حبيبه بالأيام الجميلة التي كانت بينهما! ❤ يتودد إلينا لنعود إليه ونحن المخطئون وهو العزيز الحميد الغني عنا! سبحان الله ما أروعه!
 

هممم تعالي لنعود إلى موسى وقومه، في الواقع أتساءل مرارا؛ لماذا قال تعالى في نهاية هذه الآية ((إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور))؟ لا أتوقع أن يأتي بعد ذلك التودد الجميل ربطه بالصبر والشكر! في الأمر سر لذيذ أتمنى أن أدركه! 

أتساءل أيضا، ما الذي يتذكره قوم موسى من أيام لهم مع الله تعالى؟ لم تكن لهم أيام قبل الأحداث مع فرعون! آه الفصل المقصود هنا إذن هو بعد إيمان بني إسرائيل ونجاتهم وغرق فرعون، في تلك الفترة، فترة فرعون، كان الكثير منهم على درجة مبهرة من الإيمان وتحدي الطغاة! لقد أبدوا ثباتا وصبرا وتمسكوا بالله رغم كل شيء، لعلها الأيام المقصودة.. ثم بعدها وقع بنو إسرائيل -حسب معرفتي الصغيرة المحتاجة للقراءة والتدقيق والتعمق- في ورطة عبادة العجل وانحرفوا.. يا الله! أمر الله تعالى موسى أن يرشدهم مجددا! لم يتركهم الله تعالى بل جدد دعوتهم بعد انحرافهم! لهذا صار موسى يذكرهم بأيام الله كما أمره ربه، يذكرهم بالأيام الخوالي كما نقول، ذكرهم بأن الله تعالى نجاهم من فرعون ومن معه، أنهى عذابهم الذي كانوا يعيشونه هم واُسرهم، يفترض بهم أن يديموا شكر الله تعالى على ذلك! أوه، هو الحميد الذي يستحق أن نحمده! السياق يتماشى مع بداية السورة! كأن البداية مفتاح!
 

ثم مهلا، يعود القرآن بعقولنا إلى الموازنة، يضعنا على سكة الواقعية مجددا فتأتي آية وسط أحداث موسى كالوقت المستقطع في لعبة كرة اليد، وقت قصير يأخذه المدرب ليجمع لاعبيه ويعطيهم إرشادات وسط زحام اللعب كي يلعبوا بالشكل الأفضل رجاء أن يفوزوا! تأتي آية كوقت مستقطع تخبرنا بأننا إن شكرنا الله تعالى زادنا من النعم والفضل والخير، لكن إن جحدنا بها وأنكرنا رغم علمنا نالنا العذاب الشديد! موازنة بين التودد الجميل والتحذير من النكران، ترغيب يقودنا إلى التقدم على السبيل الصحيح المفضي إلى النجاح والحياة الطيبة، وترهيب يخيفنا فنرتدع عن سلوك السبل الخاطئة عن اليمين والشمال وننجو من الانزلاق إلى هلاكنا! الترغيب والترهيب الذي حدثنا عنه الأستاذ محمد جعيجع في آخر درس لنا معه! الصراط والسبل المحيطة به.. الترابط مع البداية مجددا!!
ثم تعود أحداث موسى وهو ينفذ مهمة تذكير قومه فيخبرهم بأن نكران فضل الله تعالى عليهم لا يضر الله شيئا، بل لو أنكر كل أهل الأرض ما أنقص ذلك من ملكه شيئا ولا انتقص من صفة الحمد التي هي صفة أصيلة لا تتأثر بمتغيرات ولا ببشر، شكروا أو كفروا يبقى أهلا للحمد، كيف لا وهذا الاسم من أسمائه وهو تعالى موجود قبل كل موجود، صفته موجودة قبل أن نكون نحن وكل الكون! ((فإنّ الله لغني حميد)) 

إنه التذكير! التذكير يتكرر في السورة!
 

آه تأخر الوقت.. حسنا سأتوقف هنا أحتاج إلى فرصة لأهضم كل هذا الذي استخرجته فأستوعبه بقلبي وعقلي، لكنني سأنهي بما دفعني لكتابة هذه المراجعة؛ كنت أتساءل، عندما نتقدم في قراءة السورة ونصل الى ذِكر إبراهيم عليه السلام لا نجد أحداث قصته مع بحثه عن الله تعالى وتساؤلاته ولا نجد احداثه مع قومه ورميه في النار، بل نجد أحداث ترك زوجته وابنه عند الكعبة! ثم شكره لله الذي رزقه بابنيه اسماعيل وإسحاق! ما يعني أننا في فصل متقدم من قصته! لماذا هذا الفصل بالذات دون غيره؟ كان من المتوقع بتفكيري الصغير أن تحمل سورة ابراهيم كل احداث قصته لأنها سُمِّيت باسمه! لكن.. ذلك الفصل دون غيره.. النور والظلمات.. الصراط.. التذكير.. النعم والحمد.. الترغيب في شكرها والترهيب من الكفر بها.. وتسمى السورة على اسم إبراهيم!! ما السر؟!!
همممم الالغاز رائعة وتعامل القرآن الكريم بها رائع يستفز العقل ليتحرك فينبهر فيسجد طوعا لرب تلك الروعة!! في القرآن ذكاء خرافي! لذيذ يم يمييي 😋😍
ملاحظة: افتح مصحفك وأنت تقرأ هذا المقال كي تتتبع الآيات، يفترض ان اذكر هذا في البداية، لكنني لم افعل ذلك لأستفز عصبوناتك وأشوقها 😁

ما سر السورة؟!


تعليقات

تجول بسهولة.. فهرس المقال🌹