القائمة الرئيسية

الصفحات

الإنجاز | لابد من إعادة النظر في معنى الإنجاز

 

الإنجاز | لابد من إعادة النظر في معنى الإنجاز

الإنجاز | لابد من إعادة النظر في معنى الإنجاز

    أفترض في وقتنا هذا أنه لا يكاد يسلم إنسان من الولع بالإنجاز ذلك أن هذا الأخير صار معيارا للتقييم خاصة مع طغيان مواقع التواصل الاجتماعي على حياة الشباب.. مواقع التواصل الاجتماعي؟ ما دخلها؟؟
آه تلك الكارثة.. حسنا.. قد أخصص لها عنوانا منفصلا لاحقا بإذن الله خاصة وأنني جربت حذف حسابي على الفايس مرتين وعشت بدونه أياما رائعة.. لكن لنتحدث عنها في ومضة سريعة: لابد أنك عايشت ولو لمرة واحدة شعور الانهزامية وأنت ترى إنجازات غيرك على صفحات الفايس والانستغرام، انخفاضا في تقديرك لذاتك.. ذلك طبيعي لأنك وقعت في فخ مقارنة نفسك مع غيرك، أو لنقل مع الجميل الموجود في حياة غيرك، ذلك الذي يمثل جزءً من حياتهم وتظنه بشكل لا إرادي حياتهم كلها.. ولأننا في وقت مليء بذلك النوع من الضوضاء فقد وجدت نفسي مجبرة على انتزاع نفسي من آثارها المدمرة وذلك من خلال إعادة التفكير في الكثير من الأشياء، أهمها الإنجاز، خاصة في تلك الفترة من الفشل الذي عشته..
 

الانسان والقيمة

    كثيرا ما كنت أسال نفسي عندما أشعر بالفشل: ما الذي يجعل للإنسان قيمة؟
لم تكن تروقني فكرة أن الإنجاز -بمفهومه الشائع- هو ما يجعل للإنسان وزنا في الحياة -رغم أنها طغت على تفكيري في فترة ما- ، لا يصح أن يكون الإنجاز هو بطاقة التعريف الانسانية، لا يصح أن يكون شيءٌ غير مستمر ٍّمعيارًا لتقييم ما هو مستمر فالإنجاز شيء متغير قد يكون وقد لا يكون مادام التناوب بين الفشل والنجاح قانونا من قوانين الحياة.. في حين أن القيمة الانسانية، التكريم الآدمي، مكانة الإنسان.. سمها ما شئت، هي شيء محفوظ ثابت كجزء من تركيبتنا، شيء موضوع على رف عال جدا لا يمكن أن يقارن مع شيء آخر.. لو أدرك الإنسان ذلك سيريح نفسه من الكثير من الأثقال، سيشعر بأمان أكبر، بأن قيمته شيء محفوظ جدا لا يمكن أن يُمس، وكم سيعطيه ذلك طاقة وسكينة للسير في الحياة بخطوات أكثر ثباتا.. ولنتخيل الكارثة النفسية التي ستقع في مرحلة فشل ما لإنسان يقيم نفسه بناء على ما أنجز!
 
    حسنا، تعالوا نشرح المفهوم الحالي لتلك الكلمة البُعبُع لنفهم أين الخلل فيها: في دنيا الناس، في قوانين البشر الذين يرون بعيونهم لا ببصائرهم، الإنجاز شيء ملموس، شيء مادي جدا، شيء لابد أن يُرى، ذلك ما يدفعنا إلى الركض خلفه بشراهة خاصة وأن الإنسان في طبيعته النفسية يحتاج إلى تقدير الآخرين له.. صرت أتخيلنا كالحمار الذي يركض خلف الجزرة المعلقة بالعصا، كالإنسان الذي مهما شرب لا يرتوي، ككائنات تركض ركض الوحوش لا تكف عن اللحاق بشيء ما كلما حصلت على واحد رمته خلف ظهرها وركضت خلف الثاني.. لكن في القوانين الإلهية التي ترفع الإنسان إلى أعلى، الإنجاز شيء خفي جدا، شيء ستكون له انعكاسات ما على العالم الخارجي لكنه أساسا شيء خفي جدا، يُرى بالبصيرة لا بالبصر، هناك في عالمنا الداخلي، في استصلاح أدغالنا الداخلية، في تغيير ما بأنفسنا إلى الأفضل، الإنجاز هو أن تتمكن من التحكم في عالمك الداخلي، أن تتمكن من قيادة نفسك في تفاصيل صغيرة لا تُرى.. أن تمنع نفسك من التدخين اليوم إنجاز، أن تقتحم شيئا ما تخافه كأن تطرح سؤالا على أستاذك أمام الجميع إنجاز، أن تتخذ قرارا تراه بعد التفكير والبحث الصادق صائبا وتثبت عليه رغم كل شيء إنجاز، أن تسقط ثم ترفض البقاء ساقطا على الأرض وتبدأ بمحاولة النهوض إنجاز، أن تحرر نفسك من قيد الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي وتصل إلى مرحلة أن لا تشعر بالسوء إذا لم تفتح حسابك اليوم ذلك إنجاز، أن تبقى حيا تتنفس رغم شدة الألم الذي تشعر به -والذي ربما لا يشعر به الناس ولا يعلمون بوجوده أصلا- إنجاز.. الإنجاز في القوانين الربانية شيء أعمق مما هو شائع، شيء له علاقة بجعل نفسك أفضل، بالقيام بخطوة نحو تحرير نفسك كل مرة من قيد ما.. الإنجاز الحقيقي هو ذلك الذي وضحته الآيات الكريمة باختصار: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ))
 

البيضة والدجاجة.. 

ماذا عن أرض الواقع؟ عن الحصول على علامات عالية أو نيل الشهرة أو فتح مشاريع أو دراسة تخصص "مرموق" أو اختراع شيء مفيد..؟ ماذا عن تلك الأشياء الملموسة التي لابد منها لنجعل واقعنا أفضل؟؟
لا أنكر أنها هامة جدا، القصة ليست قصة "أبيض أو أسود"، ليست قصة إلغاء الجانب المادي للإنجاز، القصة في الأصل والنتيجة، الجانب المادي نتيجة للجانب الخفي العميق، أؤمن بأن حياتنا ستكون أفضل، أكثر سكينة ورضا وثباتا لو ركزنا على الجانب الخفي لأنه أكثر استثمارٍٍ يمكننا التحكم فيه كوننا مخلوقات أُعطِيت حرية الاختيار حتى في عبادة الخالق سبحانه، سيكون الجانب المادي وسيلة لا هدفا، وسيلة لنساعد الإنسان ليشعر بأنه أفضل، لتكون الحياة أفضل، سيكون تحصيل حاصل ننتقل إليه بشكل تلقائي مع الكثير من السكينة والسلام الداخلي لو ركزنا جهدنا على إصلاح أنفسنا من الداخل..
من قال هذا؟
((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )).
 
 لقد أدركت بعد سنوات من مراقبة نفسي والعمل على ترويضها وغربلة مفاهيمها وإصلاحها بأن المسار الذي ينتقل فيه الانسان من الداخل إلى الخارج أقوى بكثير من مسار الانتقال من الخارج إلى الداخل.. التركيز على الجانب الداخلي فيك، الجانب القلبي، الفكري، الروحي، العمل على تزكيته وإصلاحه له انعكاسات حتمية على جانب الخارجي، على انجازاتك المادية، على  سلوكك، على خطواتك واختياراتك التي ستكون أكثر ثقة ووضوحا وأصالة.. وقد وجدتني أكثر من مرة أقتحم تجارب جديدة بهدف التخلص من سلبية ما أو تجربة استثمار صفة جيدة فيّ لأعرف نفسي أكثر وأصلحها وأطور فكرها ونضجها في الحياة، وخلال ذلك انتبهت إلى أنني قد حققت إنجازات واقعية فعلا رغم أنها لم تكن هدفي الأساسي ولا دافعي الذي أتحرك لأجله! 
 
أستمتع بإفادة غيري بأشياء أفادتني، ولأن بعض تلك الأفكار لا تصل إلا في شكل فيديو فتحت قناة على اليوتيوب وصرت صانعة محتوى.. شعرت بالحاجة لأن أصنع لعالمي الخاص مكانا جميلا فأستأنس وأعالج بشكل ما مشاعر الوحدة التي كثيرا ما تراودني بسبب خروجي عن المألوف ولإيماني بأنه يستحق أن يخرج إلى الوجود ليضيف إلى ثقتي ثقة، وقد كانت أنسب فكرة أتخيلها هي المدونة ففتحت مدونة وصار لي موقعي الخاص.. تعهدت بأن أعلم غيري أحكام التجويد ولابد أن أبرئ ذمتي، كما أنني وجدت في نفسي حاجة لمراجعة الأحكام وقد علمت بأن أفضل وسيلة لتثبيت ما تتعلمه هي أن تعلمه لغيرك لذلك اقتحمت تعليم القرآن الكريم، لكنني بسبب ذلك وجدتني في مكان حاضن للإبداع يؤمن بي وبما أستطيع فعله ما فتح أمامي المجال للقيام بأشياء عدة مستقبلا كما كلفت فيه برئاسة لجنة الاعلام إضافة إلى تعليم أحكام التجويد بأسلوبي الخاص.. في مسيرة مراقبتي لنفسي ومن خلال التعليم القرآني اكتشفت بأنني أملك قدرة على إيصال المعلومة وأستمتع بذلك، ولأنني أحببت العودة إلى تخصصي الذي ابتعدت عنه واحتجت إلى تجربة الاستثمار في قدرتي تلك لأطورها قررت اقتحام التعليم في مجالي فتقدمت إلى معهد التكوين شبه الطبي لأصبح أستاذة لتعليم مقياس علم الأعشاب والعقاقير الطبية..
هي ذي المعادلة الصحيحة في نظري، الانجاز الخارجي انعكاس للإنجاز الداخلي العميق، نتيجة للعمل على معرفة النفس وتزكيتها وتهذيبها واحتوائها لترتقي باستمرار.

السعي أو النتيجة؟

 ثمة فكرة أخرى تعزز ما سبق وتعينك على إصلاح مفهومك للانجاز: لو ركزنا قليلا مع ما سبق وحاولنا استخراج ما هو مشترك بين تلك الأفكار لوجدناه مختصرا في "السعي".. أن تبقى محاولا ساعيا ضمن معطياتك، تفكر وتطبق، تسدد وتقارب، تجتهد وتستثمر فيما عندك لكن دون أن ترهق نفسك بالتركيز على النتائج.. لماذا؟ لأن الله تعالى لا يقيِّمُك كما يقيمك البشر، ومعاييره هي الصحيحة المطلقة والأجدر بالتركيز والاتباع.. قال تعالى في سورة النجم (( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۝ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۝ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى۝ )) السعي والاجتهاد والمحاولة المستمرة هي المطلوبة منا، التعب الذي نبذله ولا يراه الناس أو ربما لا يقيمونه ولا يعيرنه اعتبارا، ذلك كله عند الله، يقدره ويعلمه وهو ما سيحاسبك عليه لا على النتائج التي ربما رغم كل بذلك لن تتمكن من تحقيقها.. ركز على ما سيحاسب عليه الله تعالى وتُثاب عليه، ركز على السعي الصادق الحثيث ودع النتائج على ربك فذاك هو التوكل
 
  ♥♥♥
 
اممممم لنغلق آخر نافذة أمام السلبية: ضربك الإحباط من نفسك؟ خذلك هذي هههههه
تحليل رياضي للإنجاز سيعطيك شحنة تشجيع وجرعة قوة لمواجهة الأفكار الميتة التي تسبب لك الإحباط ♥
 
 


اطلب مقالا حصريا عن تطوير الذات

أعجبك المقال؟ بإمكانك طلب مقال إبداعي حصري عن تطوير الذات والتعامل مع التحديات  من هنا

قم بالتسجيل في موقع خمسات واستفد من خدماته المميزة، ستجدني هناك لمساعدتك ^_^

تعليقات

تجول بسهولة.. فهرس المقال🌹