القائمة الرئيسية

الصفحات

قالوا فن يعالج مشكلات المجتمع..!

 

قالوا فن يعالج مشكلات المجتمع..!

قالوا فن يعالج مشكلات المجتمع..!

لطالما آمنت كإنسان بسيط أن الفن جزء من الإيمان، الفنَّ باعتباره انتباها للتفاصيل الجميلة، تناغما مع كل جميل، استشعارا لتلك الدقائق التي تجعل العلاقة بين العبد وخالقه علاقة عميقة حية مليئة بالمعنى والسكينة والامتنان والفهم عنه سبحانه والسعي للنسخة الأفضل منا دائما.. ولعل أهم ما يميز الفن في مفهومي هو وجود القيم، أن يميز الانسان بين الجميل الحقيقي والقبيح الحقيقي اعتمادا على ارضية من القيم والفضائل والاخلاق التي تمثل معياره إذ لابد لكل تقييم وتصنيف من معيار محدّد وإلا فمن العبث الحديث عن قبيح وجميل دون معيار! ثم من الجهل أن نحتار في تحديد منظومة القيم ونتجادل فيها ونحن مؤمنون.. كيف لا والمؤمن قد تميز عن غيره في استيعاب حقيقة الحياة، حقيقة "خالق أحد ليس كمثله شيء، ومخلوقات تحبه وتعبده"، الحقيقة التي تريح الانسان من عناء وضع معايير التقييم لأن الخالق تكفل بوضعها، الخالق العليم بما خلق، الذي جعل مخلوقاته على فطرة، على نظام تشغيل محدد يمكّنهم من التفاعل مع الحياة بالشكل الأمثل السليم.. عندما يدرك الانسان هذا يعي معاني "إن الله جميل يحب الجمال"..


لكن..


حين تُنسب كلمة فن لكل ما هب ودب، حين توضع على مجموعة من الأعمال التي لو حللناها لوجدنا فيها كوارث وتناقضات مع حقيقة الفن نفسه، تناقضات تفضي إلى هدم الانسان لا بناءه.. عندها لابد لمن كان له عقل أن يقف ويزيح ستار التسميات ويتجه بفكره إلى مربط الفرس، إلى المفاهيم، ليخرج من دائرة "الاستغباء والاستحمار" (تماما مثلما يحدث مع كلمة "موضة" التي توضع على ما يراد تسويقه لجذب المزيد من المستهلكين العميان).. 


حين تقول بأن المسلسل أو الفيلم الفلاني يعالج مشكلة اجتماعية أسالك كمواطن بسيط محدود الدخل معرض لمحاولات غسل الدماغ -كما يقول نيكولاس خوري بتصرف- :

١- هل الكاتب عالم اجتماع او عالم نفس؟

٢- هل هو على قدر من طيب الخلق والصلاح الذي يؤهله للإصلاح (المعالجة) على هذا المستوى الواسع من التأثير؟

٣- هل هنالك إحصائيات تثبت أن الأعمال التي تُقدَّم قد ساهمت في حل المشكلة المطروحة فعلا أم أنها كما نرى في الواقع قد زادت المجتمعات انحلالا وفوضى؟

٤- حين تخوض حوارات المسلسل أو الفيلم في مواضيع لها علاقة بالدين هل تمت استشارة علماء الشريعة مثلما تتم استشارة أهل الطب في المواضيع الطبية؟


كمية العبث المهولة التي أراها في بعض الاعمال تجعلني عاجزة عن إمساك لساني عن الكلام:

 كيف يُجعل مجرمٌ بطلا تتجه نحوه الأنظار والأنفس بالتعاطف بعد رش بعض الفضائل على شخصيته؟

 كيف تُخلط العقيدة الصحيحة مع العقائد الفاسدة كأنها عقيدة واحدة ثم إن ناقش المسلم خطأ مدمرا على الأجيال في تصرفات شريكته غير المسلمة ردت بكلام يجعل المشاهد يتعاطف معها بدل التعاطف مع الحق بل ويجعل شريكها يقر بأنها على حق! 

 كيف تُرسَم معالم الشخصيات وفق :

 المنفتح القدوة => يشرب ويتكيف ومثقف ومفكر ومحاور..

 المتدين => متطرف دعشوش يصلي مداير اللحية يعيط لا يناقش ويدير الخرايب من تحت لتحت.. 

المتدينة "المعتدلة" => "محجبة" تلبس فيزو وتريكو وخمار ويغطي شعرها دون رقبتها..

 لا وفي كل فيراج حوار تهجمي يعزز مفهوم الندية بين الجنسين وينتصر لجنس على الآخر بدل الانتصار للحق ومعالجة الندية بالتكامل إذ لا تقوم الحياة السوية بغير آدم وحواء متكاملين متحابين يسند أحدهما الآخر كما علمنا ديننا "النساء شقائق الرجال"! 

هذا دون الحديث عن الموضة الجديدة، موضة المثلية التي جاءت بعد موضة الخيانة الزوجية، لا وتقبّل أحد الشريكين للأمر بشكل عادي بل ويصاحب من تتم الخيانة معه!


كمية التخريف فيما يسمى "معالجة مشكلات اجتماعية" لا يُبتلَع.. لا داعي لتمييع المفاهيم المدمرة بمصطلحات مخفِّفة يتم غرسها في العقول بجرعات صغيرة متتالية: 

- "الخيانة الصريحة" اسمها "زنا" والزاني المتزوج عندو عقوبة كبيرة.. المعنى: ذلك التمييع كارثة في حق المجتمع ستؤدي الى خراب حقيقي والا ما كان ذلك التصرف بتلك العقوبة الغليظة..

- "الندية والسوبر وومن" اسمها "راكي شايفة ظلم أو مجروحة لداخل تحتاجين إلى احتواء ومعالجة للجرح لا إلى حقنه بسم يفاقمه".. المعنى: بدون احتواء الرجل رح تتعبي في حياتك لا تكابري، وبدون تلوين الانثى لأيامك رح تتعب في حياتك لا تسِء معاملتها.. كلاكما يحتاج الآخر بلاه الخرطي فش سوبرمان..

- نبني معا ونعيش معا ونتعاون ونتآخى في الانسانية وكل يمارس شعائره ولي يظلمك ننصرك عليه لأنني كمسلم أكره الظلم حيثما كان، لكن عذرا عقيدة الاسلام توحيدٌ في الالوهية والربوبية والاسماء والصفات، بينما عقيدتك تثليث (النصارى) أو تجسيم (اليهود).. العقائد متناقضة ماهيش "كلنا نعبد نفس الإله لا فرق" لا اخي فيه فرق ما تخلطش.. المعنى: يجي نهار يولي الدين سوق، ويولي المسلم درويش الناس تعفس عليه وهو يبلع ويسكت وهذا ما يُراد له..

- "المثلية" وإن كان مصطلحا معبرا اسمه "فاحشة قوم لوط" وقد أُنذروا منها مرارا ثم حل عليهم العذاب المدمر حين أصروا على فحشهم وتشويههم الفطرة.. من يعاني منها دون عناد واصرار على اركتابها يروح يداوي وربي يشفيه ويصلحو ويقويه على التعافي، ومن يعيشها عن سبق ارادة وعناد ويمارسها جهرا هذا لازمو تعزير ونهي عن المنكر مش تعاطف.. المعنى: بتبني التعاطف وفتح المجال لتزايد رقعة الفاحشة بدل النهي عنها والعمل الحقيقي على معالجتها نحن نحكم على أنفسنا باستحقاق العذاب الشديد.. وين . رايحين . بيها!!


كون المنابر صارت متاحة لكل من هب ودب هذا لا يعني أن من علا منبره هو المحق.. وكون الاضواء تُسلَّط بأياد معظمها ربما يريد بالمجتمعات انهيارا لا بناءً هذا  يستدعي من الشباب انتباها أكبر وحراسة أعظم على حواسهم من القرف الفكري والتشويه الفطري.. وكلمة "معالجة" ليست كلمة تقال بل هي عمل عميق شاق يقوم به أناسا اكفاء عالمون ذوو قيم يجيدون تحليل المشكلة وتحديد اسبابها واختيار العلاج وأسلوبه، ونعمة الشهرة والكلمة المسموعة ومهارات الكتابة والتصوير والاخراج وغيرها نِعم يفترض أن تستخدم بالشكل الصحيح ثم إنها مسؤولية سيُسأَل عنها اصحابها..


علوُّ المنبرِ والاضواءُ ليسا معيارا ولو بلغ معتلوها ما بلغوا من عدد الجوائز والإطراءات والتعظيم.. المعيار الحق هو ما وضعه الخالق تعالى لخلقه.. وليكذب الانسان على نفسه ما شاء وليراوغ ما شاء، في النهاية  سيُدفَن وحده ويقف أمام ربه وحده والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

تعليقات

تجول بسهولة.. فهرس المقال🌹