التعليم الأكاديمي.. نهاية تجربتي الأولى.. ❤
كانت تجربة فريدة مليئة بخليط من المشاعر التي أعيشها لأول مرة..! تجربة جديدة في سيري في الحياة عشت فيها هوايتي باستكشاف الجديد، اكتشاف ميدان التعليم في مقياس من تخصصي الجامعي، مارست فيها الكثير من التحليل للواقع وللأنفس، الكثير من النقد والتفكير في الحلول، الكثير من التمرد على ما لا أقتنع به في التعليم، الكثير من وضع شيء من روحي في الدرس، في الأسلوب، في صلاتي في القسم، في الخروج عن مسار الدرس من حين لآخر بقصة او موقف أو خلاصة في الحياة.. حاولت أن أضع نفسي مكان الطلبة لمعرفة ما سيحتاجونه، لتفهّم ما يعيشونه كوني كنت طالبة قبل سنوات قليلة، لمعرفة كيف سيفكرون ويستقبلون المعلومة.. أعترف أنني لم اوفق في الكثير من المرات إذ طغى علي الشعور بضغط المسؤولية العلمية، أتراه ما أقدمه هو ما سيحتاجونه فعلا؟ أتراها مراجعي كافية؟ أتراني أحطت بالموضوع كما يجب؟
أعترف أنني في الكثير من المرات شعرت بالتقصير، تمنيت في مواطن كثيرة لو أنني احيط بالدرس الواحد إحاطة شاملة من مراجع عدة أكملها بمناقشة أساتذتي المتخصصين في ذلك المقياس كي أقدم عصارة مُرضية لي قبل أي شخص آخر، لكنها ربما نزعتي المثالية في تصور خطواتي لابد لها من صقل بالواقع ومعطياته وعجن بقاعدة التدرج..
المميز في تجربتي هذه هو أنني لم أعش تجربة مشابهة لها من قبل من حيث زخم المشاعر وتنوعها! مشاعر المسؤولية.. مشاعر الضغط.. مشاعر العودة الى القراءة في تخصصي الذي ابتعدت عنه كثيرا مؤخرا وكم كان ذلك صعبا.. مشاعر الأمومة وضرورة احتواء الجميع كلٌّ حسب شخصيته.. مشاعر الجرأة والإصرار على كسر بعض المألوف في التدريس.. مشاعر الثقة في رؤيتي والمحاربة لأجلها.. مشاعر الاعتزاز بديني وأداء صلاتي في القسم.. مشاعر تطبيق معاني بعض الآيات التي تعلمتها.. مشاعر اكتشاف جيل لم أتعامل معه عن قرب من قبل! جيل يوصف بأنه ربما سيء لكنه ليس ما وجدته بالضرورة! جيل قد يظهر من الكثير من أفراده جرأة مفرطة قد تصل إلى تجاوز الحدود في بعض الأحيان، لكن التعامل مع جيل "الألفينيات" عن قرب جعلني أرى بعض عمقه الذي لا يُرى في العادة.. رأيت فيه الكثير من البراءة، الكثير من الحاجة للاحتواء، الكثير من بذور الخير التي ما سُقِيَت حق السِّقاء، الكثير من الجمال الدفين، الكثير من الطاقة.. جيل فيه الكثير من الجرأة والشجاعة في إبداء رأيه ونظرته والدفاع عما يراه حقا له، لو أنه يجد من يرافقه ليستثمر في ميزته الجميلة تلك لصُنِعَت به العجائب من التميز والازدهار! جيل قد صدق من قال فيه يوما (لعلها صديقتي.. لا أذكر..) "هم أكثر واقعية منا"
قسمي الذي درسته كان لوحده توليفة جميلة اجتمعت فيه الكثير من بقاع الجزائر من سكيكدة وميلة وجيجل وسطيف إلى القبائل وبومرداس إلى المسيلة والواد والصحراء الدافئة (تذكرت أغنية عن الجزائر كنا نغنيها في المتوسط في المسابقات ههههه ❤) .. أحببت في قسمي تنوع شخصيات طلبته.. أحببت ذلك الحياء الذي ميز تلك الجميلة، ومسحة الصفاء في تلك الرائعة، والصدق والاجتهاد في تلك العبقورة، وحب الفهم في تلك الحلوة، والبراءة الدفينة في تلك الصغيرة، والذكاء المختبئ في تلك المشاغبة، والرصانة في تلك المهندسة، وشجاعة تلك الجميلة على التحجب، والصمت اللماح في المايسترو، والتفكير المنطقي الذي كان يضحكني ويعجبني في آن منهم جميعا.. ولا أخفي تعجبي من أدب شابَّيْنِ كسرا في الواقع توقعي من شباب هذا الجيل من الذكور! ولا أخفي أيضا أن وجودَهما في القسم كان فرصة لأغرس بذرة ما عنوانها "الرجل وتد المجتمع"، المعنى الذي ربما يتضاءل في المجتمع أمام الكثير من المغالطات ومحاولات التشويه التي تتغلغل بشكل سلس لا يكاد يُرى.. كنت في كل حصة تقريبا أحمل قارورة عصير لأرفع تركيز السكر في دمي فأركز أكثر (ولألعب بها لأنني لا أتحمل الحديث دون حركة ولعب ههههه) وفي كل مرة كنت أعجز عن فتحها فأطلب من أحدهما أن يفتحها تكرُّما فيفعل.. هو تصرف بسيط لا يُرى منه عظيم مغزى وأثر لكنني أؤمن بأن المعاني الكبيرة كامنة في التفاصيل الصغيرة أولا.. الرجل وتد في المجتمع وفيه مكمن معاني القوة والبذل والحماية والتكفل بالصعب من الأمور، وبشكل أو بآخر يتم تحييده عن موقعه لينكسر التوازن ويتحلحل نسيج المجتمع.. كنت ارى في تلك القارورة -التي صعب عليّ حقا فتحها مرارا- فرصة صغيرة لغرس أساسٍ ما من موقعي المؤقت هناك: أنتم الرجال أوتاد المجتمع، اليوم قارورة وغدا أرجوها مشاريع ونماذج من الجمع بين العلم والخلق والقوة، مثالا للتوازن ينطلق من البيوت ويتعدى أثره إلى الشوارع والأعمال وسائر أنشطة الحياة ❤
كانت تجربة غريبة وجميلة وصعبة لن أنساها، أدركت فيها أن التعليم أعمق من تقديم معلومات مجردة، التعليم من أصعب المهام على الإطلاق.. شكرا لأنكم كنتم أول تجربة لي في التعليم الأكاديمي ❤ وشكرا لكما أيها الشابّان على أدبكما الذي صار عملة نادرة إذا رأيناها قلنا لازال هنالك أمل ❤ رجائي أن تعيشوا بذوات حقيقية وتُرفعوا درجات عاليةً في الدنيا والآخرة ❤
وكم سأشتاق إليكم وإلى صلاة الظهر في القسم ❤ من لم يكن يصلي فليحاول وليجاهد نفسه ليصلي، الصلاة عزة الانسان ووتده الذي يستقيم به ❤
تعليقات
إرسال تعليق