"طفرت".. كلا، لم ينته رمضان بعد!
أيام الثانوية نظم استاذنا في الرياضة امتحانا في شكل سباق كان المطلوب فيه ان نركض حول الملعب ثلاث دورات في اقصر مدة ممكنة.. ولننجح في السباق اعطانا قاعدة صرف الطاقة بحيث طلب منا أن نركض خلال الدورتين الأولَيَيْن بسرعة متوسطة ثم نطلق أقصى طاقتنا في الدورة الأخيرة، ذلك أن الانطلاق بالسرعة القصوى منذ البداية سيؤدي إلى التعب السريع وعدم القدرة على الاستمرار في المنافسة..
انطلقت الفتيات بأقصى سرعاتهن وانطلقت بسرعة متوسطة كما أرشدنا الأستاذ، ولم يمض وقت طويل حتى تجاوزني الجميع وبقيت آخر المتسابقات..! كانت نفسي تحدثني بأن أسرع وأخالف إرشاد الأستاذ، ثم لا ألبث أن أقول لها "كلا بل أثق في توجيه الاستاذ حتى وان بدا بأن منظري سيكون محرجا وانا آخر من تنهي الدورة الثالثة"! وقتها كان الأستاذ يصيح "أحسنت ياسمين حافظي على هذه السرعة!" وما إن أنهيت الدورة الثانية حتى صاح "الآن ياسمين!"
لازلت إلى الآن أذكر المشهد كما لو أنني أشاهده أمامي! كنت أرى الفتيات مرهقات وقد انخفضت سرعاتهن، وكنت اشعر بأنني أركض بارتياح وثبات، شعرت بان في داخلي قدرا كبيرا من الطاقة والقدرة على الفوز! حين صاح الاستاذ "الآن" انطلقت باقصى سرعتي متجاوزة زميلاتي الواحدة تلو الأخرى! "بقيت ثلاثة! اثنتان! وحدة! الأولى! لكنها قريبة من خط النهاية! نقدر نسبقها؟ بصح راني بعيدة!" أصوات تتعالى تشجعني "ياسمين، ياسمين، ياسمين.."! الأستاذ يصيح "أسرع ياسمين! زيدي ياسمين زيدي زيدي زيدي".. أصل أو لا أصل! أتجاوزها أو لا! خطوة أخرى خطوة أخرى هيا ياسمين هيا ياسمين هيااااااااا تجاوزتهااااا 😍 لازال الأستاذ يصيح "زيدي ياسمين ما تنقصيش تخرجي الأولى في الثانوية زيدي زيدي زيدي" أغمضت عينيّ واستفرغت كل ما أملك من طاااااقة ويااااااااس خط النهاااية يا سلاااام 🤩 من المرتبة الأخيرة إلى المركز الأول في دورة يا سلاااام 🤩
لازلت أذكر ضغطة الأستاذ على زر الكرونومتر ليسجل الوقت الذي استغرقته ❤ ولازلت أذكر تحيته لي ولصديقتي التي تجاوزتها -ربي يذكرها بالخير- عندما انتهى السباق "ياسمين و*فلانة* يعطيكم الصحة" ❤ ولازلت أذكر بأنني حصلت على المرتبة الأولى في القسم والثانية في الثانوية ❤ ياااه كأنني عشت مشهد رسوم متحركة حقا! تلك التي تعطي دروسا في الأمل (سابق ولاحق أو سلام دانك مثلا؟ 😅)
أستاذي ذاك ذكره الله بالخير لم يعلم بأنه علمني قاعدة للحياة كلها! في الواقع لست من السريعات في الركض بالرغم من محاولاتي منذ المتوسطة، لكن عندما تعلق الامر بصرف الطاقة بذكاء وحكمة وثقت في توجيه أستاذي وتجاوزت الجميع ونجحت! عندما احتفظت بقسط من الطاقة لوقته المناسب نجحت!! ثم ذلك التشجيع المستمر الذي يؤمن بك وبقدرتك على فعلها حتى وإن قالت المعطيات غير ذلك! تشجيع الذي هو أعلم منك، كأنه يذكرني بتشجيع ربنا سبحانه وتعالى لنا باستمرار وله المثل الأعلى! يخبرنا ديننا بأن العبرة بالخواتيم، يضاعف الأجور في المحطات القريبة من خط النهاية لنطلق طاقتنا القصوى!
نحن الآن مقبلون على أفضل ليالي العام، الليالي التي ستكون فيها ليلة العمر الحقيقية، ليلة العرس الكوني التي نزل فيها كلام الخالق سبحانه! الليلة التي تنزل فيها حشود من الملائكة إلى كوكب الأرض يقودها جبريل -عليه السلام- ، أمين الوحي مرافق النبي -عليه الصلاة والسلام-! تمر على كل من يصلي ويذكر تسلم عليه وتدعو له! الليلة التي تكتب فيها مقادير العام القادم! الليلة المهرجان التي تصبح الشمس بعدها خافتة الوهج كأن حشود الملائكة عائدة إلى السماء تباعا فتحجب أشعتها الحارقة!!
ربما الكثير منا قد قصر في ما مضى من رمضان، ربما أصابه الإحباط، ربما يشعر بالخيبة من نفسه، يحدثها أن لا جدوى مني.. كفى! ضع نقطة انعطاف الآن في هذا المنحنى الذي يشدك إلى أسفل، ضع علامة "قف"، علامة "كلا سألحق بالركب ولو حبوا"! تلك النقطة التي تكسر هذا الخط لتعيد مساره إلى أعلى قد تغير نفسيتك في لحظة إلى نفسية محارب قرر الانطلاق دون رجعة، قرر استنفاد كل ما له من طاقة لا يملك شيئا يخسره! محارب قد يتجاوز بصدقه واجتهاده الآن من سبقوه!
لست من السريعين في مضمار الحياة تلك إحدى معالم كياني.. لكنني تعلمت أن أحتوي صفاتي وأستوعبها وأستثمر فيها وأنجح بها لا أن أجلدها! أستاذي علمني كيف أنجح رغم بطئي! ثم هو ذلك الدرس لم يساعدني فقط على احتواء صفاتي السلبية ظاهرا، بل علمني أيضا أن أنهض بعد السقوط، أن لا أفقد الأمل، أن لا أركز على تقصيري الماضي إن كان تقصيرا لا حكمة في صرف الطاقة، أن أنطلق رغم ما أنا فيه أثبّت عينيّ على الغايات، على ما سيأتي، موقنة بأن الموازين قد تنقلب في أي لحظة قادمة وأغدو من أعظم الفائزين! لا تفشل فتعثرك قد يعني استعدادا لانطلاقة أعظم!!
يا من أبطؤوا خلال ثلثي رمضان: الآن!!
====
طمأنة: وصف ليلة القدر ليس من نسج هواي بل هو مما تعلمته عن مشايخنا الأفاضل في دروسهم بمدرسة ضيوف الرحمن، الكلام علمي ❤
اطلب مقالا حصريا عن تطوير الذات
أعجبك المقال؟ بإمكانك طلب مقال إبداعي حصري عن تطوير الذات والتعامل مع التحديات من هنا.
قم بالتسجيل في موقع خمسات واستفد من خدماته المميزة، ستجدني هناك لمساعدتك ^_^
تعليقات
إرسال تعليق